سبحان الله ,, و الحمد لله ,, و الله أكبر ,, و لا إله إلا الله
أشرقت
شمس اليوم التالي...وهذا الصباح وككل صباح في هذا الصيف الحار يعتبر شروق
الشمس آخر الغيث...لان النهار يندر بحرارة لاتطاق...وخصوصا لما تتكبد
الشمس السماء...فتح النافدة على مصراعيها ليسمح لنسيم هواء الصباح العليل
أن يدخل غرفته ..تسللت معها خيوط الشمس ..لتصدح المكان بضوئها وتصدحها أيضا
بلسعة خفيفة جدا من الحرارة...نظر الى شجرة العنب الموجودة في فناء
المنزل كما لم ينظر إليها من قبل...لايعرف لماذا آثارت إنتباهه هذا
اليوم...حذق فيها بتمعن..بل وبتمعن شديد ..لكن سرعان ماجتاحته موجة من
الحزن...وكادت تدمع عيناه لولا أن تدارك الامر وترك النافدة حيث ذهب إلى
المطبخ ليعد له فنجان قهوة..وسرعان ماعاد الى غرفته...وجلس على مكتبه
...إنه يشعر أن لديه رغبة في الكتابة...فليس من السهل أن يجد نفسه مندفعا
لنتاول قلم وورقة ...الاإذا كان يلم به الحزن ويستبد به الالم...وفعلا احس
ان مزاجه تغير فجاة...لأن شجرة العنب تلك أعادت اليه كثير من
الذكريات....وبالرغم من أنها ذكريات جميلة الا أن إسترجاعها في ظروفه
الراهنة هو مبعث للقلق والحزن... .
يذكر أنها كانت مثمرة..في مثل هذا الوقت..حتى فصل الصيف في تلك الإيام لم
يكن بمثل هذه القسوة...لم تكن الشجرة الوحيدة في المكان...كان بجانبها بعض
أشجار التين...وايضا كانت هناك أشجار أخرى مترامية الاطراف. في
المكان...كلها اجثثت من قرارها ولم تبقى سوى شجرة العنب...لم يكن هناك
فناء ...بل فقط أرض مفتروحة على الأشجار والخضرة المزدانة بعبيق
الزهور..ورائحة الاقحوان..هناك تكمن الذكريات الجميلة... هنا في هذه الجنة
المفقودة كما سماها...فعنون خاطرته بهذا الاسم...الجنة المفقودة...
مازالت ملامحها الطفولية البريئة بكل تفاصيلها راسخة في ذاكرته...حتى أنه
لايزال يدكر بعض أنواع الفساتين التي كانت تلبسها..هو الفستان الابيض
الفضفاض الذي يتذكره جيدا...كان يطفي عليها لمسة رائعة من الطهامة
والجمال...كانت بحق ملاك تحلق في تلك الجنة المفقودة ....كان يمسك بيدها
ببراءة ويطوف بها أرجاء المكان...يقطف زهرة من أديم البساط الأخضر اليانع
.. ويمدها اليها...تحس أنها هدية غالية جدا بالرغم من أن عدد لايحصى من
هذه الزهور يعج بهم المكان ..احساس طفولة ولكنه إحساس لايخطأ ...إحساس
نابع من غياهب وجدان طفل لايجيد صنع ابتسامة كاذبة...ولايعرف
المجاملة...هو رد فعل لاحاسيس صادقة نابعة من قلب طفل بريء يحب كل من
يشعرمعه بالامان......ويحسسه بالارتياح....هكذا كان شعورها تجاهه عندما
كانا يركضان معا . يلاحقان الفراش...ثم يركض وهي تجري ورائه في محاولة
لإمساكه....ثم مايلبثا أن يتسابقا على من يصل الى شجرة العنب
أولا....يجلسان تحت أوراقها الوارفة وقدانهكهما التعب ..يعانقها ببراءة
وهم يشاهدان العصافير تحط على الاشجار قادمة من بعيد ....وينصتان إليها
بإهتمام وهي تغرد.... وغالبا ماكان يصحبها أيضاالى دكان العم عبد
القادر..يشتري قطعتين من الحلوى أو البسكويت.. يناولها إحداها
مبتسما...فتاخدها منه وهي تبادله بنفس الابتسامة...واحيانا تقبل وجهه
كتعبير عن شكرها له مما يدفع البقال عم عبد القدار بأن يربت على طاقيته
وهو يضحك بصمت..هكذا نشات معه فتيحة ..أستولت على حيز من طفولته...وعندما
كبرا كبر ت معهما هذه الاحاسيس والمشاعر....كان يخيل اليه أن حبه اليها هو
فطرة ...لأن هذا الاحساس ليس وليد لحظة من لحظات...بل هو إحساس تربى معه
وترعرع..
يتبع.