سبحان الله ,, و الحمد لله ,, و الله أكبر ,, و لا إله إلا الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يسرني أن أنقل إليكم هذه الحكاية آملاً أن تستمتعوا بقراءتها وتنال اعجابكم
الشـاطر حسـن وسـت الحسن
يسرني أن أنقل إليكم هذه الحكاية آملاً أن تستمتعوا بقراءتها وتنال اعجابكم
الشـاطر حسـن وسـت الحسن
الراوي: عبد الرحيم العمر
كان يا
مكان في قديم الزمان نحكي وإلاّ ننام وإلاّ نصلي على النبي العدنان، كان
يوجد ملك في بلاد الشام عظيم الشأن، وقد أصبح مسنّاً وأحس بقرب أجله، فجمع
ولديه كميل وكمال فعيّن كميلاً الكبير ملكاً بدلاً منه، والثاني كمال ولي
عهده، وأوصى كميلاً بأخيه خيراً، وأوصى كمال أن ينصح أخاه ويعاونه على
الملك، وألاّ يختلفا ويعيشا متفقين وفي أحسن حال، ومات الملك واستلم كميل
بدلاًًًً منه، وتزوج الأخوين وحملت زوجة كل منهما في الوقت نفسه وعاشا في
صفاء ووئام.
في
إحدى الليالي اجتمع الأخوان، فقال ولي العهد: يا ملك الزمان زوجتي وزوجتك
حاملتان فإن وضعت زوجتي ولداً وزوجتك بنتاً خطبناهما لبعضهما، وإن وضعت
زوجتك ولداً وزوجتي بنتاً أيضا أعطيناهما لبعض، فلنقرأ الفاتحة على هذه
النية منذ الآن، لكن أخاه ردّ عليه بجفاء وقال: لنترك الموضوع للأيام، فإني
أخاف ألاّ يرضى الولدان عندما يكبران، فلا نحب أن نفرض عليهما رأينا منذ
الآن. انزعج أخوه وغضب، وقام عنه وهو يقول: والله لا أبقى أنا وإياك في بلد
واحد بعد الآن ما دمت لم توافق على طلبي، ولم يرد على رجاء أخيه بأن يبقى
ويترك الزعل والخصام.
جمع
كمال أمتعته وأخذ أهله ورحل تحت جنح الظلام، وظل يسافر من مكان إلى مكان
حتى حطّ به الترحال في بلاد الجزائر، ودخل إلى ملك البلاد وسلَّم عليه،
وعرَّفه بنفسه فرحب به وأعطاه قصراً، وعاش معززاً مكرماً وفي أحسن حال، ثم
ولدت زوجته طفلاً جميلاً كالبدر التمام، ليس مثله في البلاد اسمه الشاطر
حسن، وبعد أشهر وافته المنية فمات، وترك الولد صغيراً فربته أمُّه حتى شبّ
وكبر، وأصبح صبياً قوياً تضرب به الأمثال.
في أحد
الأيام تصارع الشاطر حسن مع ابن الوزير، فتغلّب عليه الصبي وغضب ابن
الوزير، وقال له: أنا ابن الوزير وترميني يا وضيع الأصل، ولا أحد يعرف من
هو أبوك؟ ومن هي عائلتك ؟من بين الأكارم وأبناء الأمراء. حزن الشاطر حسن
وعاد إلى البيت مهموماً مغموماً، فسألته أمُّه عن سبب حزنه فقال: أخبريني
من هو أبي من بين الرجال؟ ومن أين أصلنا وفصلنا؟ فردّت عليه: يا بني مالك
ولهذا الأمر فالإنسان بعمله وأخلاقه، يرتفع بين الناس وليس في حسبه ونسبه.
فزاد حزنه وأخذ في البكاء، فحنّت عليه أمه وقالت: والله يا بني أوصاني أبوك
ألا أخبرك عن هذا الموضوع، ولكن ما دمت مصراَ وقد صرت شاباً سأخبرك
بالحقيقة وأمري لله: أنت أصلك ابن ملك وأبوك (كمال) أخو الملك (كميل) وولي
عهده في بلاد الشام، وقد اختلف أبوك مع أخيه الملك، ورحل عنه إلى هذه
البلاد، وقد مات منذ أن كنت صغيرأ، وقبره الآن في مدافن الملوك والأمراء،
وأنا كل أسبوع أزوره وأضع على قبره الآس وأقرأ له الفاتحة، فطلب منها أن
تدله على قبره والده، وذهب معها في الحال ودلته على قبر أبيه، فجلس عنده
ساعة من الزمان، وقرأ عليه بعض القرآن، وأخذ الشاب كل يوم يزور قبر والده
ويبكي عنده ويناجيه، ويقرأ له القرآن، وأحياناً ينام عند القبر إلى منتصف
الليل، ثم يعود محزوناًً ومهموماً.
أما
ملك بلاد الشام (كميل) فبعد رحيل أخيه ولدت زوجته بنتاً سبحان الذي خلقها
لا مثيل لحسنها وجمالها في ذلك الزمان، وسمّاها ست الحسن فربّاها أحسن
تربية، وعاشت على الغنج والدلال حتى أصبحت في سن الزواج، فخطبها الملوك
والأمراء، فكانت ترفضهم وتمتنع عن الزواج، فاحتار أبوها في أمرها، وانزعج
أشد الانزعاج وطلب من أمها أن تعرف قصتها قبل أن يقضي في أمرها، ويجد حلاً
لمشكلتها. اجتمعت الأم مع ابنتها ست الحسن، وعرفت منها أنها لن تتزوج حتى
يأتيها فارس الأحلام، الذي يزورها في المنام، وأنها لن تتزوج غيره مهما
حصل. فأخبرت والدها فغضب من هذا الأمر وحلف أغلظ الأيمان أن يزوجها إلى (
زبّال ) المملكة العجوز والفقير جزاءً لها، وأمر أمّها أن تجهّزها ليزفّ
العريس عليها في ليلة الغد، وأرسل العسكر ليأتوا بـ ( الزبّال )، ويجهزوه
ليزفوه إلى بنت السلطان، وهو أمر لم يكن ليحلم فيه ولا في المنام، وجلست
الأميرة في سريرها تبكي وتنوح وتشكي أمرها للباري، وتدعوه أن يفرجها عليها
ويخلّصها من هذه الحال.
في
السماء التقى جنية مع عفريت، فسلّمت عليه وسألته من أين قادم ؟. قال: من
بلاد الشام وسألته: ما لك متغير الأحوال ؟ فقال: شاهدت في طريقي بنت
السلطان سبحان الخالق، وقد سحرني جمالها وحسنها، وطيرت عقلي وأصبحت مضطرب
الأحوال، وبقيت أكثر من ساعتين أتأملها، وهي تبكي وتنتحب وتناجي ربها،
فعلمت من أخبارها أن أباها سيزوجها لزبّال المملكة، لأنها رفضت جميع الملوك
والأمراء الذين تقدّموا لطلب يدها.
تعجّبت
الجنية من هذا الأمر، وقالت له: وأنا جئت من الجزائر ومررت من فوق
المقابر، فسمعت صوتاً ساحراً حزيناً شدّ انتباهي، فنزلت إليه فرأيت صبياً
سبحان الخلاّق، وهو نائم على قبر والده يبكي ويناجيه، وقد سحرني حسنه
وجماله، وطير عقلي وقلبي وبقيت ساعات أتأمّله، وتمنّيت لو كنت إنسيّة
لأتزوجه، وأعيش معه أسعد أيام حياتي .
تعجّب
العفريت من هذه المصادفة العجيبة، وأخذا يتناقشان ويتجادلان أيهما أكثر
جمالاً الشاب، أم الفتاة ؟ وبعد أن تعبا من الجدال. قالت له: الجنية لنعود
إلى الجزائر ونأتي بالشاب، ونضعه بجانب الفتاة، عندها نقرّر من منهما أجمل
من الثاني ؟ وبلمح البصر حمل العفريت الشاطر حسن ووضعه بجانب ست الحسن على
السرير، وأخذا يتأمّلانهما فترة طويلة، وقد وقعا في الحيرة والارتياب، فكلّ
منهما أجمل من الآخر. قالت الجنية: والله إنهما يليقان لبعضهما، لنوقظ
الشاب الآن ونرى ما الذي سيفعله ؟ فتحوّلت الجنية إلى قملة، وقرصت الشاطر
حسن فأيقظته، وكتم العفريت على نفس الفتاة لكي لا تستيقظ، ففتح الشاب عينيه
فرأى بجانبه فتاة كالبدر التمام، طلعتها بهيّة وجمالها فتّان، تعجّب من
هذا الأمر، وقال في نفسه: أين أنا الآن ؟ ومن هذه الصبية البهيّة ؟ وكيف
أتيت إلى هنا ؟ وقد كنت عند قبر والدي. احتار الشاب في أمره وحاول أن يوقظ
الصبية ويسألها عن أمرها لكنها لم تستيقظ معه، وكانت الصبية تلبس روب نوم،
يبدو منه جسمها أبيض كالثلج، فاستحى منها وغطاها باللحاف وغطّى وجهه، ونام
وترك الأمر إلى الصباح .
ثم
حوّل العفريت نفسه برغوثاً وقرص الصبية فأيقظها، وكتمت الجنية على نفس
الشاب حتى لا يستيقظ، وفتحت الصبية عيناها فرأت بجانبها على الفراش شاباً
وسيماً ليس مثله في الحسن والجمال. تعجبت من هذا الأمر، وعرفت أنه فارس
الأحلام الذي كانت تراه في المنام وقالت في نفسها: لقد وعدني أبي أن يزوجني
بالزبّال العجوز، فجاءني بأجمل عريس في البلدان وهو ما كنت أحلم به. فشكرت
أباها ودعت له وفرحت كثيراً، و( هفّت ) نفسها عليه وقالت: كيف ينام العريس
في ليلة عرسه ؟ ويترك عروسه وحدها، والله هذه ليست من شيم الرجال، وأخذت
تحرّكه لتوقظه فلم يستيقظ معها، فأخذت تتلّمسه بيدها وحضنته وباسته ونامت،
وقالت في الصباح سأعرف قصة هذا العريس النعسان .
ضحك
الجني والجنية من فعل الصبية، وقرّرا أن يوقظا الاثنين معاً حتى يمضيا
ليلتهما سوياً، لعلها تكون فاتحة خير ويتم النصيب فيتزوجان ويجتمعان. وهكذا
أفاق الشاب والصبية، وتعجبا من هذا الأمر وفرحا كثيراً ببعضهما، وجلسا
يتسامران طوال الليل وكل منهما يحكي قصته للآخر، فعرفا أنهما أولاد عم،
وتعجبا كيف اجتمعا في هذا الحال، وصمّما أن يتزوجا وتبادلا الخواتم، وناما
ليعرفا حقيقة قصتهما في الصباح.
بعد أن
استغرقا في النوم حمل العفريت الشاب إلى بلاده، وتركه فوق قبر أبيه وأيقظه
من النوم فوجد نفسه في المقبرة، فتعجّب واحتار واعتقد أنه منام، وعاد إلى
أمه مرتبك الفكر متغيّر الحال، فحدّثها عما رآه في المنام فقالت له أمه:
خير إن شاء الله هذا المنام .
أما ست
الحسن فدخل عليها والداها فوجداها مبسوطة، فقامت وقبّلت يد أبيها وشكرته
على العريس الذي اختاره لها وسألته من أين أتى به ؟، وهو فارس أحلامها الذي
كانت تراه في منامها. تعجب الملك من هذا الأمر وقال: والله لم يأت العريس
بعد، فهو ما زال يتجهّز لنزفّه عليك في المساء فكيف تقولين هذا الكلام ؟.
فحكت له ست الحسن الحكاية كلها، وأن العريس هو ابن عمها الذي سافر إلى
الجزائر، وأرته خاتمه وهذه ملابسه معلّقة على العلاّقة، وقد أفقت فلم أجده
فظننت أنه ذهب ليقضي حاجة.
فرح
الملك وطار عقله لما سمع هذا الكلام، وأمر غلمانه أن يبحثوا عنه، فلم يقعوا
له على أثر، فتعجب واحتار ولم يفهم كيف الأمر صار، ولولا الخاتم والثياب
لظن أنه منام، فأشارت له زوجته أن يرسل في الحال إلى الجزائر ليسأل عنه،
فكتب رسالة إلى ملك الجزائر يسأله عن أخيه وابن أخيه، وأن يبعثهم في الحال،
وسلم الرسالة إلى قائد الشرطة ومعه مئة من الفرسان، فجدّ السير عدة أيام،
حتى وصل إلى الجزائر فدخل على الملك، وسلّمه الرسالة فلما قرأها وعرف
فحواها، أمر بإحضار الشاطر حسن وأمه في الحال، وجهّزهما بالهدايا والأحمال
والسلام على ملك الشام، فترك قائد الشرطة القافلة في حماية الغلمان، وسبقها
إلى بلاد الشام ليصل بأسرع الأوقات، ويبشّر الملك بقدوم ابن أخيه، واجتمع
الأحباب بعد طول الغياب، وجدّدوا الأفراح وأقاموا الأعراس سبعة أيام لا أحد
يأكل إلا من مائدة السلطان، وزفّوا الشاطر حسن في موكب عظيم على ست الحسن
بنت السلطان، وسلّم الملك الحكم لابن أخيه وعاشوا جميعاً بالفرح والنعيم
وطيب الله عيش السامعين .
من حكايات مصطفى الصوفي