سبحان الله ,, و الحمد لله ,, و الله أكبر ,, و لا إله إلا الله
محاسبة النفس بعرضها على كتاب الله (عز وجل)
د. توفيق علي زبادي
(عادَةُ الْقُرْآن إِذَا ذُكِرَ
الْكِتَاب المشْتَمِل عَلَى عَمَل الْعَبْد حَيْثُ يُعْرَض يَوْم
الْقِيَامَة، أَرْدَفَهُ بِذِكْرِ الْكِتَاب الْـمُشْتَمِل عَلَى
الْأَحْكَام الدِّينِيَّة فِي الدُّنْيَا الَّتِي تَنْشَأ عَنْهَا
الْمُحَاسَبَة عَمَلًا وَتَرْكاً)[1].
قال ابن منظور: (الحساب والمحاسبة: عدُّك الشيءَ، وحَسَب الشيءَ يحسُبُه،
بالضَّمِّ، حَسْباً وحِساباً وحِسَابة: عدَّه. وحاسَبَه: من المحاسبة)[2].
محاسبة النفس اصطلاحاً:
قال الإمام الماوردي: (محاسبة النفس: أن يتصفح الإنسان في ليله ما
صدر من أفعال نهارِه؛ فإن كان محموداً أمضاه وأَتْبَعَه بما شاكَلَه
وضاهاه، وإن كان مذموماً استدركه إن أمكن وانتهى عن مثله في المستقبل)[3].
أدلة الجمع بين كتاب العبد، وكتاب الرب، جل وعلا :
يقول - تعالى -: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ
فَتَرَى الْـمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا
وَيْلَتَنَا مَا لِهَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً
إلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ
رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: ٩٤] إلى قوله - تعالى -: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} [الكهف: ٤٥]؛ فذكر كتاب العبد، وذكر كتاب الرب الذي يجب علينا عَرْضُ أعمالنا عليه، ويقول - سبحانه -: {يَوْمَ
نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ
بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ
فَتِيلاً} [الإسراء: ١٧] إلى قوله - تعالى -: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إلاَّ كُفُورًا} [الإسراء: ٩٨]، ويقول - تعالى - أيضاً: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} [الانشقاق: ٧] إلى قوله - تعالى -: {وَإذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: ١٢].
منهج السلف في عرض أنفسهم على كتاب الله، عز وجل:
قال مالك بن دينار - رحمه الله -: (رحم الله عبداً قال لنفسه: ألستِ صاحبة
كذا؟ ألستِ صاحبة كذا؟ ثم زمَّها، ثم خطمها، ثم ألزمها كتاب الله - عز وجل
- فكان لها قائداً)[4]. وقال الحسن البصري - رحمه الله -: (رحم الله
امرءاً عرض نفسه وعمله على كتاب الله؛ فإن وافق كتاب الله حَمِد اللهَ
وسأله المزيد، وإن خالف أعتب نفسه ورجع من قريب)[5].
د. توفيق علي زبادي
(عادَةُ الْقُرْآن إِذَا ذُكِرَ
الْكِتَاب المشْتَمِل عَلَى عَمَل الْعَبْد حَيْثُ يُعْرَض يَوْم
الْقِيَامَة، أَرْدَفَهُ بِذِكْرِ الْكِتَاب الْـمُشْتَمِل عَلَى
الْأَحْكَام الدِّينِيَّة فِي الدُّنْيَا الَّتِي تَنْشَأ عَنْهَا
الْمُحَاسَبَة عَمَلًا وَتَرْكاً)[1].
قال ابن منظور: (الحساب والمحاسبة: عدُّك الشيءَ، وحَسَب الشيءَ يحسُبُه،
بالضَّمِّ، حَسْباً وحِساباً وحِسَابة: عدَّه. وحاسَبَه: من المحاسبة)[2].
محاسبة النفس اصطلاحاً:
قال الإمام الماوردي: (محاسبة النفس: أن يتصفح الإنسان في ليله ما
صدر من أفعال نهارِه؛ فإن كان محموداً أمضاه وأَتْبَعَه بما شاكَلَه
وضاهاه، وإن كان مذموماً استدركه إن أمكن وانتهى عن مثله في المستقبل)[3].
أدلة الجمع بين كتاب العبد، وكتاب الرب، جل وعلا :
يقول - تعالى -: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ
فَتَرَى الْـمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا
وَيْلَتَنَا مَا لِهَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً
إلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ
رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: ٩٤] إلى قوله - تعالى -: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} [الكهف: ٤٥]؛ فذكر كتاب العبد، وذكر كتاب الرب الذي يجب علينا عَرْضُ أعمالنا عليه، ويقول - سبحانه -: {يَوْمَ
نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ
بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ
فَتِيلاً} [الإسراء: ١٧] إلى قوله - تعالى -: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إلاَّ كُفُورًا} [الإسراء: ٩٨]، ويقول - تعالى - أيضاً: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} [الانشقاق: ٧] إلى قوله - تعالى -: {وَإذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: ١٢].
منهج السلف في عرض أنفسهم على كتاب الله، عز وجل:
قال مالك بن دينار - رحمه الله -: (رحم الله عبداً قال لنفسه: ألستِ صاحبة
كذا؟ ألستِ صاحبة كذا؟ ثم زمَّها، ثم خطمها، ثم ألزمها كتاب الله - عز وجل
- فكان لها قائداً)[4]. وقال الحسن البصري - رحمه الله -: (رحم الله
امرءاً عرض نفسه وعمله على كتاب الله؛ فإن وافق كتاب الله حَمِد اللهَ
وسأله المزيد، وإن خالف أعتب نفسه ورجع من قريب)[5].
وقد كان السلف ينصحون الخلفاء بعرض أنفسهم على كتاب الله - تعالى - فقد روي
أن سليمان بن عبد الملك قال لأبي حازم المدني: ليت شعري ما لنا عند الله؟
قال: اعرض عملك على كتاب الله؛ فإنك تعلم ما لك عند الله. قال: فأين أجد
في كتاب الله؟ قال: عند قوله: {إنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ #^٣١^#) وَإنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: ٣١ - ٤١]. قال سليمان: فأين رحمة الله؟ قال: {قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: ٦٥][6].
من صور محاسبة النفس بهذه المنهجية:
أولاً: تمثيل النفس في مكان أهل الجنة أو مكان أهل النار:
قال إبراهيم التيميُّ - رحمه الله -: (مثَّلت نفسي في الجنَّة آكلُ من
ثمارها، وأشرب من أنهارها، وأعانق أبكارها. ثم مثَّلت نفسي في النار آكل من
زقُّومها، وأشرب من صديدها، وأعالج سلاسلها وأغلالها، فقلت لنفسي: أَيْ
نفسي! أي شيء تريدين؟ قالت: أريد أن أُرَدَّ إلى الدنيا فأعملَ صالحاً.
قال: قلت: فأنت في الأُمنيَّة، فاعملي)[7].
ثانياً:عَرْضُ الأعمال على أعمال أهل الجنة وأهل النار:
قال الأحنف بن قيس - رحمه الله -: (عرضت عملي على أعمال أهل الجنـة فإذا قوم قد باينونا بوناً بعيداً لا نبلغ أعمالهم: {كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ}
[الذاريات: ٧١].وعرضت عملي على أعمال أهل النار فإذا قوم لا خير فيهم،
يكذِّبون بكتاب الله وبرسوله وبالبعث بعد الموت. فوجدنا خيرنا منزلة قوماً:
{خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا} [التوبة: ٢٠١])[8].
ثانياً:العرض باتهام النفس دون أن تصل إلى اليأس من الإصلاح:
قال بعض السلف: (والله! ما عرضت نفسي على كتاب الله إلا اتهمتها بالنفاق).
وهذه العادة تَعرِض لنا منهجاً تربوياً فريداً في محاسبة النفس؛ حيث يقوم
العبد بعرض أعماله على كتــاب الله - تعالى - ليرى أين هو من صفات
المؤمنين؟ وأين هو من صفات المتقين؟ وأين هو صفات أهل الجنان؟ وتكون
نتيجة هذا العرض على كتاب الله:
أولاً:
توفيق الله للعبد بقيامه بأعمالٍ من أعمال أهل الجنة؛ فيشكر الله، ويطلب
منه الثبات على ذلك والزيادة؛ لأن الوصول إلى اللـه ليـس له منتهى، وهـذه
درجة عظيمة لا يبلغها إلا من اصطفاه الله واجتباه.
ثانياً:
الوقوف على تقصير العبد في جنب الله؛ فيتدارك العبد التقصير بطلب المغفرة
وطلـب العون على اسـتدراك ما فات. والشعور بالتقصير هو منهج الصالحين.
ثالثاً: أن يكون العبد ممن خَلَط عملاً صالحاً، وآخر سيئاً. وهذه الدرجة يدخل فيها كثير من المؤمنين، نسأل الله أن يعفو عنَّا برحمته.
وميزة هذه المنهجية: أن الميزان الذي يزن به العبد نفسه عليه ميزانٌ ثابت لا يتغير.
ضوابط في تطبيق هذه المنهجية:
نسأل الله - تعالى - القبول الحَسَن، وأن يوفقنا ويسدِّدنا في تطبيق هذه المنهجية القرآنية.
1 - مصاحبة القرآن: بمعنى أن يَأْلَف قراءته، وأن يكون له مثل الصاحب
الصالح الذي لا ينفك عن صاحبه؛ بحيث يكون للعبد وِرْدٌ يوميٌّ لقراءة
القرآن وتدبُّره. 2 - أن يكون للعبد دفتر لتسجيل صفات أهل الجنة، ثم يعرض
نفسه على هذه الصفات واستدراك جوانب الضعف. 3 - الصدق مع النفس حين العرض،
واتهامها ومقتها في الله.
_____________________
(*) عضو هيئة التدريس بالمركز العلمي الأول.
[1] الإتقان:1/ 360، والفتح لابن حجر:14/ 68.
[2] لسان العرب: مادة (حسب).
[3] أدب الدنيا والدين: (ص342).
[4] محاسبة النفس لابن أبي الدنيا، (ص 26)، وإغاثة اللهفان لابن القيم، (ص96).
[5] أخلاق أهل القرآن للآجري: (ص39).
[6] البغوي: 8/ 357.
[7] محاسبة النفس لابن أبي الدنيا، (ص34)
[8] تفسير القرطبي: 17/ 38.
المصدر:
مجلة البيان العدد 274
مجلة البيان العدد 274
|