سبحان الله ,, و الحمد لله ,, و الله أكبر ,, و لا إله إلا الله
لماذا الفتور بعد رمضان
[size=12]ماذا
بعد رمضان ؟ سؤال يردده الدعاة كثيراً بعد انقضاء هذا الموسم المبارك ،
وذلك لما يرونه من انقلاب حال كثير من المسلمين عما كانوا عليه في شهر
رمضان من الصيام والقيام والذكر وتلاوة القرآن إلى هجر ذلك كله ، والعودة
إلى الغفلة واللهو ، حتى غدا هذا الأمر ظاهرة بارزة ، فبينا ترى المساجد في
رمضان مكتظة بالمصلين والقارئين والذاكرين ، إذا بها بعد رمضان تئن من
الهجر وتشكو الفراق والبعاد إلا من النزر اليسير ، وهي ظاهرة تقتضي من
المصلحين وقفة مراجعة ، لتقويم العوج ومعالجة الخلل .
ولو
رجعنا إلى الأسباب التي أدت إلى نشوء هذه الظاهرة لوجدنا أن من أهم
الأسباب تحول رمضان - في نظر كثير من المسلمين - من إطار العبادة إلى إطار
العادة ، فكثير من الناس لا ينظر إلى رمضان إلا على أنه شهر تمارس فيه
عادات معينة ينبغي ألا يخالف الناس في أدائها ، فتجد البعض مثلا يصوم رمضان
في حين أنه لا يصلي ، وربما صلى التراويح من غير أن يقوم بالفريضة ...
وهكذا ، مما يؤكد أن هؤلاء لم يتعبدوا في رمضان إلا بمنطق العادة لا
العبادة ، وبالتالي لم يحدث هذا الشهر التغيير المطلوب في حياتهم ، ولذا
فما أن يخرج الشهر حتى يعود كل واحد إلى ما كان عليه .
وهناك
سبب آخر وهو ما يشعر به المسلم - ولو كان عاصياً - من أجواء إيمانية في
هذا الشهر المبارك نتيجة ما ميزه الله به من تصفيد الشياطين ، وإقبال
النفوس على الطاعة ، وفتح أبواب الجنان ، وغلق أبواب النيران ، كل هذه
الأجواء تساعد المسلم على التقرب إلى ربه ، والبعد عن المعاصي والسيئات ،
فإذا انتهى رمضان واختفت تلك الأجواء عاد العاصي إلى معصيته .
ومن
الأسباب كذلك ما يتسرب إلى النفوس الضعيفة من ملل وفتور بعد الحماس
والنشاط ، ولعل المتابع يلحظ ذلك في تناقص المصلين في التراويح في آخر
الشهر خلافاً لبدايته ، فالعبادة وإن كان لها أثر عظيم في طمأنينة النفس
وسكونها ، إلا أنها تحتاج إلى مجاهدة ومغالبة للنفس وأهوائها ، لأن النفس
مطبوعة على حب الدعة والقعود والإخلاد إلى العاجلة .
ولعلاج
هذه الظاهرة ينبغي تعريف المسلم بعبوديته لربه ، وأن هذه العبودية عبودية
دائمة غير مقيدة بزمان ولا مكان ، وعمل المؤمن لا ينقضي حتى يأتيه أجله ،
قال الحسن البصري رحمه الله : " إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلاً دون
الموت ثم قرأ قوله عز وجل:{ واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } (الحجر 99) .
وينبغي
تعريف المسلم كذلك أن شهر رمضان فضيلة تفضل الله بها على عباده ، ليزدادوا
إليه تقربا ، ويسارعوا في فعل الخيرات ، فإذا وقر ذلك في نفس المسلم كان
أحرص على عبادة ربه طيلة عمره فلا يقطعه عنها انقضاء شهر أو دخوله .
وفيما
يتعلق بالملل والفتور ينبغي أن يعلم المسلم أن العبادة كثيراً ما تأتي على
خلاف هوى العبد ورغباته ، مما يتطلب قدراً من المجاهدة والمشقة في بداية
الأمر حتى تألف النفس الطاعة ثم تستقيم على أمر الله ، قال سبحانه:{ والذين
جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين } (العنكبوت:69) وصح
عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال حفت الجنة بالمكاره وحفت النار
بالشهوات ) رواه مسلم .
وحصول الفتور والتراخي
بعد الجد والنشاط أمر وارد لأي عامل كما قال - صلى الله عليه وسلم - ( إن
لكل عمل شرة وإن لكل شرة فترة فمن كانت شرته إلى سنتي فقد أفلح ومن كانت
شرته إلى غير ذلك فقد هلك ) ، ولكن المحذور أن يخرجه الفتور إلى التفريط في
الفرائض والواجبات وانتهاك المحرمات والمنهيات قال ابن القيم رحمه الله : "
تخلل الفترات للسالكين أمر لا بد منه ، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد ،
ولم تخرجه من فرض ، ولم تدخله في محرم رجي له أن يعود خيرا مما كان " ،
وقال علي رضي الله عنه : "إن النفس لها إقبال وإدبار ، فإذا أقبلت فخذها
بالعزيمة والعبادة ، وإذا أدبرت فأقصرها على الفرائض والواجبات " .
فينبغي للمسلم إذا شعر
من نفسه الملل والفتور أن لا يستجيب لها فيترك العمل بالكلية ، ولكن
ليعالج نفسه بشيء من الحكمة ، فلا يمنعها الترويح واللهو المباح ، كما أنه
لا يقطعها عن العمل ، ولكن لا بد من الموازنة ، حتى لا تنفر النفس من
الطاعة إذا أرغمها عليها العبد ، ولا يطلق لها العنان لتسبح في بحار اللهو
والمعاصي دون حسيب أو رقيب ، والقصد القصد تبلغوا .
إن من استفاد من رمضان
استفادة حقيقية لا بد وأن يكون حاله بعده خيراً من حاله قبله ، لأن من
علامات قبول الحسنة الحسنة بعدها ، ومن علامات ردها العودة إلى المعاصي بعد
الطاعات .
فاحرص - أخي الصائم -
على المدوامة على الأعمال الصالحة التي تعودتها في هذا الشهر الكريم ، فإن
أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ ، وقد سئلت عائشة رضي الله عنها كما
في البخاري عن عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقالت : " كان عمله
ديمة " أي دائما مستمراً ، كالمطر الدائم الذي لا ينقطع .
وإذا كنا قد ودعنا شهر
رمضان ، فإن المؤمن لن يودّع الطاعة والعبادة ما دام في صدره نفس يتردد ،
أما أولئك الذين يهجرون المساجد والطاعات مع مطلع العيد ، فبئس القوم لا
يعرفون الله إلا في رمضان ، والله جل وعلا يقول : { قل إن صلاتي ونسكي
ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت } (الأنعام:162) ،
فالحياة كلها يجب أن تكون لله في جميع الأحوال والأوقات والظروف .
فاجعل - أخي الصائم -
من نسمات رمضان المشرقة مفتاح خير لسائر العام ، واستقم على طاعة ربك ،
وداوم ولو على القليل من العمل الصالح ، واسأله الثبات حتى الممات .
مصدر إسلام ويب